الثلاثاء، سبتمبر 29، 2009

العرب إذ يحذّرون




بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت في المسجد الأقصى المبارك، الذي يرزح تحت الاحتلال منذ أكثر من اثنين وأربعين عاما، لم نكن نتوقع من عرب هذا الزمان أكثر من الشجب والاستنكار والإدانة، وربما عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، أو حتى التلويح بطرح القضية للمناقشة أمام مجلس الأمن الدولي، بكل ما ينطوي عليه ذلك من شجاعة نحسدهم عليها.


بعد هذه الأحداث، خرج علينا بعض الناطقين بلغة الضاد بعبارات تحذيرية لم تكن مألوفة في الخطاب العربي قبل سنوات، لكنها انضمت إلى أخواتها وإن كانت هذه المرة تحمل تصعيدا أكبر: إنها عبارات التحذير! فقد حذر مسؤولونا هذه المرة من أن "استمرار قيام إسرائيل بهذه الخطوات الاستفزازية من شأنه أن يعرضها لدوامة عنف غير مسبوقة"، وسمعنا البعض يقول "إن على إسرائيل أن تتحمل تبعات ما جرى ويجري على أرض الإسراء والمعراج" والكثير من العبارات المشابهة.



لعل القارئ أو المستمع ذا النية الحسنة والقلب الطيب أن يستشف من هذه التصريحات روح التهديد، أو يشم فيها رائحة الوعيد، فهي تتحدث عن العنف وتجعل منه دوامة، والدوامة لا تعرف شريفا ولا وضيعا، ولا سمينا ولا رفيعا. ولعل هذا المواطن الصالح أن يقتنع بهذا الخطاب الجديد بل ويتبناه في أسرته وعمله، فيصبح كلما اعتدى عليه أحد يهدده بأنه، أي المعتدي، سوف يدخل المنطقة في دوامة من العنف، وأن هذا المعتدي سوف يكون وحده مسؤولا عن تحمل تبعات كل ما جرى.


أما أنا، وبعد الاتكال على عالم الغيب والشهادة، فلم أستطع أن أجد تفسيرا لهذه العبارات "التحذيرية" إلا شيئا واحدا هو أنها لا تنطوي على التهديد بأكثر مما تنطوي على النصح والإرشاد! إنها، والحق يقال، نصيحة من أخ إلى أخيه، أو قل إن شئت من صديق إلى صديقه، أو من حليف إلى حليفه. إنها أشبه بمن يحذر صاحبه بأن لا تقربن هذه النار وإلا أحرقتك، ولا ننسى هنا عاملا في غاية الأهمية هو النية الصادقة، والعزيمة التي لا تلين، والرغبة التي لا تكل في إسداء النصح لهؤلاء الذين عاشوا في بلادنا قرونا دون أن يجدوا من يجود عليهم بنصيحة كهذه تذهب ليلهم وتأتي لهم بنهار جديد فيه شموس مشرقة وسلام دائم كانوا يتحرقون شوقا إليه.


29/9/2009

ليست هناك تعليقات: